تتأسس الجودة المدرسية بالدرجة الأولى على تقدم الطلاب والزيادة في تحصيلهم، وليس بالأمر المفاجئ تأكيد العديد من الأبحاث على ضرورة تطوير أداء المعلم لبلوغ الجودة المدرسية. ومن الواضح أن المدارس ذات الجودة العالية تكون محفزاً أساس في تعلُّم كل من الطالب والمعلم، فتنمية جودة ومهنية المعلمين يشكل الدافع الأهم في تحسين أداء الطلاب، وان علاقة المعلمين بعضهم ببعض وتعلمهم وتعاونهم الجمعي لا بد أن يكون اللبنة الأولى في بناء طواقم تدفع بالتنظيم نحو الجودة (Tomlinson and Allan, 2000)، الأمر الذي يؤكد على ضرورة استمرار تعلم المعلم بما يسمى “life long learning” وتغيير مستمر لأدائه من خلال التعلم والتسميع (التغذية الراجعة) الدائمين، ومشاريع الجودة المدرسية العالية تنطوي بالأخص على تطوير أداء المعلمين بما يضمن التأثير الايجابي على مهارات التعليم؛ المعرفة والتمكن، وتشرك المعلمين في عملية من البحث والاستكشاف لمناهج ومهارات تعليم وتعلم مختلفة ومتنوعة.
فالتعلم المنهجي وغير المنهجي على حد سواء، والتطوير الدائم من الأهمية بمكان لاستمرار الجودة في الأداء التعليمي، والتطور المهني من شأنه الإحاطة بمصادر معرفة متعددة، منها:
· الاطلاع على الأبحاث،
· معلومات من شخصيات خارج المدرسة مثل التفتيش أو وحدات البحث الخارجية،
· معرفة المعلمين الشخصية،
· المعرفة المبنية شراكيا بين مجموعات وطواقم المعلمين المختلفة.
تدعم أجهزة التربية والتعليم وتدفع بأداء المعلمين من خلال ادخارها في دورات التطوير والاغناء لكل من المعرفة منن جهة والمهارات المطلوبة لتحقيق الأهداف والدفع بعملية التعلم في المدرسة من جهة أخرى، إلا أن التعليم من خلال الدورات خارج المدرسية لا يكفل التطبيق الحتمي في غرفة الصف المدرسي، وتشير بعض نتائج الأبحاث إلى أن التعليم داخل الكنف المدرسي والمصحوب بتطبيق ومتابعة من شأنه إحداث التغيير المرجو (أنظر Harris, 2002)، وان التغيير في مستوى الصف المدرسي يعني تغيير المواقف التعليمية، والمعتقدات والنظرية الشخصية تجاه التعليم والتعليم وإعادة بنائها من جديد (Arar, 2006). ولضمان نجاح التغيير المدرسي لا بد من مباشرته جنباً إلى جنب مع التعلم، والتطبيق والتسميع، ومعالجة العوالق وفتح باب الصف امام المشاهدة وتدريب النظراء من المعلمين.
استرجاع
كيف يتم تنظيم الاستكمال المدرسي في مدرستك؟
هل هناك من دلائل تؤكد على إحداثه التغيير في أسلوب التعليم في مستوى الصف؟
وهناك هوة واسعة بين ما يتم تعلمه في "ورشة الاستكمال" وما يتم تطبيقه في "مكان العمل"، فورشة العمل هي المكان وهي حقل التمرن والتعلم للمهارات والمعرفة الحديثة، أما مكان العمل فهو الصف المدرسي على تشكل متغيراته، أو وحدة التعليم، أو المدرسة والتي تطبق فيها هذه المعرفة والمهارات. وهناك صعوبة في نقل المعرفة أو المهارات الحديثة دون إحداث بعض التغيير أو الأقلمة فيها لبيئة الصف أو المدرسة المعينة، هذه الأقلمة تحتاج أيضاً إلى تعلم، مشاهدة ومن ثم الحصول على الدعم الكافي لتطبيق وتثبيت التغيير (קורלנד ולזרוביץ, 2006).
تطوير المعلمين لتحسين المدرسة
كافة المعلمين بحاجة إلى تطور ذات علاقة بعمر كل منهم، وتجربتهم، ومهنيتهم وبيئتهم المدرسية، وعليه فان الإعداد لاستكمال مدرسي يشترط أن يتناول هذه المتغيرات وفحص كيف يمكن أن يعهد الاستكمال ويدفع بأداء المعلم؛ تشير بعض الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة بان الجودة في الأداء لا بد أن توجه نحو إحداث التغيير في مستوى الصف المدرسي مما يحتم العلم الشراكي مع النظراء من المعلمين، الأمر غير البديهي بحد ذاته.
وتغيير الأداء الصفي لا بد قبل كل شيء أن تتظافر لنيله جهود المعلمين لإحداث الصلة بين المعرفة والمهارات المستحدثة وبين التطبيق العيني في مستوى الصف (أنظر هاريس، 2002)، ولقد وجد كل من جويس وشويرس (Joyce and Showers, 2001:43) عدة معايير تدريبية يجب أخذ انسجامها وتوافقها بالحسبان قبل الشروع في عملية التعلم أو التطبيق، ومن أهم هذه النقاط التي أوصيا بضرورة تشابكها وتوحدها:
· عرض لنظرية أو مهارة أو إستراتيجية عمل ما.
· عرض لطريق تطبيقها وتعليمها.
· التدرب على ادائها في بيئة مشابهة لبيئة الصف المدرسي.
· مشاهدة من قبل النظراء وبناء تغذية راجعة واسترجاع.
· تدريب يتابع التطبيق في مستوى الصف المدرسي.
على ضوء هذا التحليل، يتضح بأن عملية المشاهدة والتعليم الجماعي- النظائري من الأهمية بمكان لتغيير نوعية التعليم والتعلم، والتأسيس لنظراء ناقدين ومُصلحين من شانه أن يزيد من التطور المهني ويقلل من الشعور بالعزلة في الصف المدرسي.
تعاون نظائري
تطور التعليم يتأتى من خلال قناعة التعاون وخلق الفرص الكفيلة بالتأسيس لعمل نظائري مشترك مصحوب بالمشاهدة والنقد البناء والبحث المشترك عن سبل للارتقاء. والعمل مع النظراء من شأنه أن يبدد عزلة المعلم ويكسبه مهارات واليات تدفع بأدائه نحو التميز المستمر، والمعلمون أكثر تحدياً في تطبيقهم لمهارات أو معرفة جديدة على مستوى الصف حينما يقرن التطبيق بدعم عيني وعملي من أحد النظراء (Hargraeves, 1994)، والتعاون في مراحل التغيير الأولى ضروري لتحدي الاحباطات واكتشاف سبل التطبيق، كما ويفيد في التقليل من ردة التغيير وتثبيته بواسطة الدعم غير المتناهي للنظراء.
من خلال العمل المشترك والتعاوني يستطيع المعلمون التعرف على طرق مختلفة لتعليم الموضوع المحدد (Nias, 1989)، والتعاون يشد ويعمق المعرفة المشتركة، والتجربة الذاتية ويوحد الموارد لخلق سبل جماعية لتحقيق النجاح، بحيث تتأتى فرص المعلمين لتبادل الخبرات والمهارات داخل الصفوف وبين المواضيع وبين المدارس، وفي المحصلة على المدارس بناء وتوفير سبل للتعاون والعمل النظائري المشترك والذي يكون وليد الاتصال الناجح بين أفراد المؤسسة التربوية ومشاركة فرص التعليم النظائري، والتعاون يحسن من تعلم الطلاب من خلال تحسين نوعية اداء المعلم، بحيث يشجع المجازفة، والخروج من القوقعة والروتين، وتجربة مهارات ووسائل جديدة ومستحدثة، كما ويشجع التعددية في تبني طرائق التدريس والتقويم.
ومن أهم أسس التعاون والعمل النظائري المشترك خلق أهلية تعلم ايجابية والمتابعة الدائمة لمردود التعلم على المتعلمين (Mortimore et al., 1994)، وتأتي أهمية التعاون لخلق ثقة مهنية مشتركة بما يمنح المعلم القدرة على الاتصال بثقة وبحزم. ويبقى السؤال عالقاً إلى جانب هذه المحصلة الايجابية للتعاون والعمل النظائري المشترك، ما هي الشروط التي يجب توفرها لإحداث هذا التعاون في تنظيم عرف بالمتنافر الأطراف “loosely coupled”.
تفتقر غالبية المؤسسات التربوية إلى معايير التعاون والعمل النظائري المشترك، وكثيراً ما تطغى العزلة والإعاقة في عمل المعلم، والتأسيس لهذا التعاون لا بد أن يسبقه تمهيد لعملية التغيير المتوخاة لتوحد حولها الرؤية والتطلعات، ولتشكل آلية قوية للتغيير تدفع بأداء المعلم وتعلم الطالب وتزيد في المحصلة من الجودة المدرسية. والتعاون والعمل الجمعي هو من الشروط الأساس لحدوث التعلم المشترك، وتسبق الرغبة في التجدد والعمل النظائري التعاون المهني المصحوب بعلمية التعلم المشترك والاسترجاع التسميع المستمر للأداء، فارتقاء الحوار بين النظراء إلى مفردات تربوية وتعاون هادف لا بد أن ينعكس إيجابا على أداء الطلاب، وتصبح المدرسة "أهلية للتعلم"، عندما يغذي الأفراد ويقيّموا ويتحاورا في أدائهم المهني عندئذ تتهيأ الفرص لحدوث الجودة المدرسية وتوحد الطاقات لتخدم الغايات المشتركة.
انعكاس واسترجاع
ان التعاون من خلال الحوار والفعل الهادف يكوّن الأرضية الخصبة للانعكاس والتسميع والمقارنة والتي تحث المعلمين وتنعكس على أدائهم اليومي. والمعلمون ذوو القناعة بأن البحث والانعكاس والتغذية الراجعة ضروريان لسيرورة التعليم في الصف المدرسي يسهل عليهم قيادة التغيير ومن تثبيته حول عملية التعليم والتعلُم (Hopkins, et al, 1997). والمعلم الفطن يتنبه ويلاحظ الواقع الحالي للصف المدرسي ولأدائه فيه، هذا التنبه واليقظة من الأهمية بمكان لحدوث التغيير وانعكاسه على تحسين الأداء وتجدده وتحليل مدى نجاعته بما يتناسب مع الرؤية والأهداف المدرسية.
وهناك العديد من الأبحاث التربوية والتي تتأسس على البحث الميداني بصنع أفراد من داخل المؤسسة، والذي يهدف إلى التعرف على مواطن القوة والضعف وإعداد خطة مهنية دائرية المنهجية، ذات محطات دراسة، وتحليل وانعكاس. ومن ثم ملاءمة وتحديث تراعيان الحالة وتوجه لتحقيق الغايات التنظيمية (Arar,2006). ويقترح كل من لويس ومون أن الهدف الأساس لأبحاث المعلمين هو الحصول على معلومات شمولية ومعتمدة يمكن استعمالها كأساس للفعل والتطبيق في حقل المدرسة (Lewis and Munn, 1987:6).
وان مهنية المعلمين تتأكد بوساطة تغذيتهم الراجعة لعملهم واسترجاعهم الدائم لادائهم يتحقق أيضاً من خلال التهيئة ل "عقد" يعطي الشرعية ويجذر القناعة بأن الانعكاس والنقد الهادف والذي يأتي بفعل المشاهدة والتفكير الجاد المشترك هو من ضروريات تطوير اداء المعلم، ومن أخطر وأقوى الآليات لتعميق قدرة الانعكاس والنقد هذه هو البحث والتنقيب والتعلم التنظيمي الجمعي والمشترك، والذي يستكشف وبشكل متكرر دور المعلم في إحداث التغيير، والدفع به ومن ثم تثبيته.
التحقيق والاستفسار الفعّال
تتضارب وجهات النظر في أهمية التحقيق الدائم والاستفسار الفعال كأحد طرائق البحث الميداني في استخدام المعلمين تجاه عملهم الذاتي، وان تغير وضعية الباحث من باحث خارجي للتنظيم إلى داخلي يبحث في مدى جودة ووظائفية عمله ومدى انعكاسه على الشركاء من المتعلمين والمعلمين ذات اعتمادية عالية إذا تبعه الانعكاس والتغذية الراجعة ومن ثم حتلنة التعامل والأداء اليومي للمعلم، وتوظيف أدوات البحث العلمي ضروري في العمل التربوي للنهوض بالفعل التعليمي وتحقيق الجودة الصفية والمدرسية على حد سواء، هذه الدورة من البحث والتقصي والتعرف على المواطن على اختلافها ومن ثم بناء خطة للتغيير تتبعها عملية تقييم دائم هامة لتحسين الأداء بشكل فعال وديمومي، وفيما يلي نعرض لبعض نقاط البحث والاستفسار الفعال على مستوى الأداء التربوي اليومي:
· تحديد المشكلة أو النقطة المقلقة،
· جمع المعلومات اللازمة،
· تحليل المعلومات،
· اتخاذ القرارات بشان خطة التغيير،
· الشروع في التغيير،
· تقويم مدى نجاعة التغيير.
ان تحديد المشكلة أو النقطة المقلقة يأتي بفعل عملية التعليم اليومي، ويتحدد السؤال ويتضح من خلال جمع المعلومات اللازمة، وطريقة جمع المعلومات لا بد أن تتلاءم مع نوع المشكلة أو السؤال، فإما أن تكون المشاهدة أو المقابلة أو الاستمارة والخ من أدوات البحث العلمية المعهودة، وتحليل المعلومات لا بد أن يوجه الخطة المعدة للشروع في التغيير الهادف، بما يشمل تعظيم المعلمين والمتعلمين ويضمن احترام وجهات النظر المختلفة لكل من أطراف العملية التعليمية.
المشاهدة الصفية
تلعب المشاهدة دوراً هاماً ليس فقط على مستوى الصف المدرسي وإنما لغاية النهوض بأداء المعلم اليومي (Harris, 2002; Day, 1999)، وهي الأداء المحور في كل من البحث الفردي أو الجمعي والتعاوني الهادف الى توفير الانعكاسات التغذية الراجعة ثم التعديل أو التثبيت والاغناء، وتخدم تطور اللغة والحوار التربوي الهادف، ولكي يتطور المعلمون وبشكل تعاوني وجمعي عليهم الاستعداد لتقبل النقد تجاه عملهم اليومي والوعي بضرورة الحاجة الدائمة إلى التحسن.
والمشاهدة تتعدى الاستماع والرؤية إلى السيرورة التي يعي من خلالها المربون ويعطون التغذية الراجعة لنظرائهم، فيطورون ويتطورون من خلالها. انه من خلال المشاهدة نستطيع التعرف على سيرورة التعليم والذي يتجلى من خلال أدائنا والتعلم والذي هو أيضا انعكاس لكافة عوامل العملية الأولى وهي التعليم ليتعداها إلى محاور مركزية أخرى، من هنا تأتي مركزية المشاهدة كأداة أساس في تطوير أداء المعلم وانعكاسه على المتعلمين.
من الشروط الأولية لنجاح عملية المشاهدة هو تقبل المعلم لنظير آخر في حصته، ومن الأهمية تحديد الهدف من المشاهدة وتعريفها كأحد وسائل التعلم والتطور وتكوينية بطبيعتها وليست ذات طابع تقويم مهني، وتتعدد أشكال المشاهدة فمنها ما هو مفتوح، ومنها ما هو محدد، أي يهدف الى الولوج في نقطة محددة واحدة ليس إلا، ففي المشاهدة المفتوحة يشاهد النظير ما يراه مهما ويدونه على الإيجاب ومن ثم السلب، وفي هذه النوع من المشاهدة تظهر بعض الأفكار الأولية والتي غالباً ما تكون بحاجة إلى نقاش مشترك بعد الحصة طبعاًً، ومحدودية المشاهدة المفتوحة تتأكد في عدم تمحورها في نقطة واحدة أو نقاط وتشعبها، وغالباً ما تكون المشاهدة الأولى مفتوحة وتهدف الى التعرف على المحيط العام للصف وأداء المعلم فيه بشكل عام.
ومن البدائل للمشاهدة المفتوحة المشاهدة ذات الطابع الشمولي، نجد المشاهدة محددة الهدف أو الأهداف، فتبدأ من خلال وجود تساؤلات محددة أو تصنيفات وموضوعات للمشاهدة تحدد مسبقاً بين المشاهٍد والمُشاهَد، هذا النوع من المشاهدة يليه تغذية راجعة محددة في اتجاهها، فمثلاً تسبق هذه الطريقة بناء استمارة أو مشاهدة نوعية وديناميكية العلاقة بين المعلم والطلاب كهدف مسبق ومحدد.
ومن الأهمية بمكان أن يلتقي كل من طرفي المشاهدة ويحددا الأهداف مسبقاً، ويعرف سبب المشاهدة أمام الصف كهدف للتعلم المشترك ليس إلا، فلا يلفت المشاهد الانتباه إليه أو يتدخل في سير الدرس، وعليه يجب أن يركز المشاهد على مهارات التعليم، وعلى منهجية وطرائق التعليم ووسائله، ومكانة المعلم ودوره، ويحتوي من حيث المصطلحات والمعاني المستخدمة. وبهدف الى اغناء تجربة المشاهدة وعدم ظهور نقاط من الاختلاف أو النقاش غير البناء، لا بد من التذكير ببعض أهداف المشاهدة الأساسية:
· المشاركة والتعاون
· الارتقاء والتطور
· الدعم
· الاكتشاف
وهناك العديد من النقاط والتي يجب التنبه إليها وهي:
بعض النقاط والأسئلة الهامة والتي تسبق المشاهدة الصفية:
هل تم إعداد المعلمين لهذه المرحلة ووفرت القناعات اللازمة لضرورتها؟
هل تعرض سيرورة المشاهدة على أنها ذات طابع تطوري بناء؟
هل تم الاتفاق على طريق الحصول على التغذية الراجعة؟
هل تم التأكيد على الثقة المتبادلة والسرية التامة؟
هل حُددت اتجاهات المشاهدة واليتها مسبقاً؟
إن المشاهدة في مستوى الصف المدرسي من أهم طرق التعلم والتطور وتفوق أهمية التعلم الأكاديمي المنظم خاصة فيما يتعلق بالتعلم داخل التنظيمي (Harris, 2002; Hopkins, 1993)، وتفيد الدراسات أن المشاهدة تنهض بأداء المعلم، وتزيد من إمكانات الحوار بين أعضاء الطاقم وتعمق التماسك التنظيمي من خلال تعزيز ثقة المعلم ومشاطرته عوالق عملية التعليم (קורלנר ולזרוביץ, 2006)، إلا أنه لا بد من التأكيد في هذا الباب على أن المشاهدة أيضاً مهارة يجب تنميتها وتطويرها لتحقق الغاية منها ولكي لا تصبح أداة هدامة للنمو والتماسك التنظيمي. فالمشاهدة المفتوحة لا تحوي على أفكار أو استمارة محددة مسبقا ويمكن استعمال مسجل أو الكتابة مباشرة أو حتى رسم نوعية الاتصال والتواصل بين المعلم والطلاب، أو طريقة تنظيم الصف، والمعلومات التي تحصل من خلال المشاهدة الأولى أو المفتوحة على حد سواء يجب أن تحلل بحذر كوننا لا نستطيع التعميم من خلال مشاهدة واحدة فقط أو حتى إصدار الأحكام المطلقة بوساطتها أو من خلالها، فالتعميم يوجب تكرار السلوك في أكثر من حالة وزمن (Fullan and Hargreaves, 1992).
تطوير التعليم وتطوير المدرسة
تتميز المدرسة التي تتجه نحو الجودة والتجدد الدائم بالتعلم الدائم، والتي يسعى أعضائها دوماً إلى البحث عن السبل الممكنة للدفع بأدائهم وتحسينه (Senge, 1990)، والمدرسة ذات صفة التعلم الدائم تمنح المعلمين فرصة دائمة للتجدد الجمعي، بحيث تشجع المشاركة في كل من التفكير والتنفيذ، شراكة وتعاون بين أعضاء الطاقم وتقبل النقد البناء والتغذية الراجعة كأحد السبل لبناء أهلية تعلم مهنية.
والتطور المهني المدفوع بفعل التعلم الدائم يرتكز على هدف أساس وهو إحداث التغيير في حياة الطلاب على تعدد أمانيهم وتوجهاتهم، وهو نفس التطور الذي يغير أداء المعلم بفعل ديناميكية التطور خارج وداخل التنظيم التربوي وبما يتأتى ويتناسب مع متغيرات العالم الديناميكي والأوسع (Fullan, 2005)، وان تغيير الأداء يتطلب تبادل الأفكار والتجربة العملية بين نظراء العملية التعليمية، فإلى جانب تبديل العزلة بالتعاون والشراكة كما أسلفنا، يخدم التعلم المشترك التطور الشخصي والمهني ومن ثم يصحبه تغيير في جودة المدرسة ومدة بلوغها أهدافها، وان حصول الشراكة الحقيقية والتعاون النظائري بين أعضاء الطاقم لا بد أن يأخذ بالحسبان:
· بناء جسور حقيقية للتعاون والتعلم المشترك ذات الطابع الشراكي داخل التنظيم الواحد،
· من الأهمية بمكان توطيد الصلة والعلاقة مع المؤسسات التربوية الأخرى، وتبادل الخبرات،
· تطوير مهنية الطاقم من خلال البحث الدائم والتعلم المشترك المصحوب بالتغذية الراجعة،
· بناء رؤية مشتركة وعطاء وتفاني جماعي من أجل المصلحة المشتركة وتحقيق الأهداف.
وإذا كانت المدارس جادة في سعيها نحو الجودة المدرسية فلا بد من التأكيد على الدور المركزي والأساس لتطوير المعلمين الدائم وقيادتهم للتغيير من خلال التعلم الدائم والممارسة المصحوبة بالتغذية الراجعة والانعكاس الايجابي، والتحسين في الأداء المدرسي لا بد أن يكون وليد عمل جماعي هادف وليس وليد إكراهات، والتنظيم المتعلم هو تعاوني بالدرجة الأولى موجه بفعل بوصلة ورؤية تربوية وتنفيذ شراكي وتعاوني، وحدوث اللقاء المشترك، وبناء أهلية التعلم لا بد أن يكون الوسيلة الأساس لتبادل الخبرات والمعرفة الحقلية (Winger, 1998:85).
تثبيت التغيير
من أصعب وأكثر المهام تعقيداً في محاولة التغيير في المدرسة هو الإبقاء على التغيير وتثبيته، والحقيقة أن المبادرة للتغيير أقل صعوبة من تثبيت التغيير في التعامل التنظيمي اليومي، فمرحلة الاستمرارية ومأسسة التغيير هي اللحظة التي يصبح التغيير فيها ليس مجرد فكرة مستجدة بل ممارسة يومية تمثل الثقافة التنظيمية للمدرسة، فمن غير الممكن التوقع أن الأمور ستسير لوحدها على شاكلة التغيير المقترح، فعملياً يحتاج تثبيت التغيير وجعله جزءاً من الثقافة التنظيمية إلى متابعة، ودعم وتقييم دائمين.
وبناء الموارد البشرية لقيادة الجودة المدرسية يتطلب التخطيط للتغيير بشكل حذر وإدارته بإستراتجية محكمة، وهذه المرحلة بحاجة إلى الإرشاد، والمتابعة والمباشرة للتغيير والتأثير على التنظيم إضافة إلى ضرورة الوعي لنقاط العلو والهبوط في تنفيذ التغيير، ويتحدث فولان (Fulllan, 2001:35) عن "تغيير شجرة الميلاد في المدرسة" والتي تبدو متنوعة في التجديدات ومن بعيد، والقرب منها أكثر يبين المبادرة والعمل الفني إلا أن وصولها والتمعن بها لا بد أن يعكس سطحيتها وتفككها، من هنا فان التغيير وللوهلة الأولى يكون مجرد فكرة جميلة والتمعن فيها يحتاج إلى التتبع في تفاصيلها ومن ثم تعبئتها بالمضامين ورصها، حتى يصبح التغيير ليس مجرد حزام خارجي بل تجلٍ واضح لثقافة التنظيم وممارسته اليومية.
تقييم التغيير
يعد التقويم المدرسي من أهم السبل لتتبع التغيير ومدى تأثيره إلى الثقافة التنظيمية، وهو يمثل النظرة المتتبعة والناقدة، وأداة التسميع الدافعة بالتنظيم نحو التغيير في الفكر والممارسة التنظيمية، واحد أخطر أبعاد التغيير المدرسي هو النقد ومن ثم التسميع الذاتي، هذه الدورة من المبادرة في التغيير، دعمه ومتابعته ونقده ودارسته مجدداً من أهم المراحل والتي من شانها إحداث النقلة في المؤسسة التربوية، ويقترح دالين (Dalin, 1998:240) بأن التقييم يجب أن يتتبع نشاطاً محدداً ذا علاقة بأنماط وثقافة التنظيم والقبلة التي توجه ممارسته، وقبل الشروع في التقويم المدرسي يجب أخذ النقاط التالية بالحسبان:
أي من أجزاء التغيير نريد أن نقيم؟
ما هي المعلومات التي نحتاج إليها؟
من هم شركاء عملية التغيير؟
كيف يمكن عرض نتائج التقييم والتسميع من خلالها؟
كيف يمكن أن نتأكد بأن التقويم سيؤدي إلى ردة الفعل المتوخاة؟
ومن أهم أبعاد إدارة صيرورة التغيير هو تقييم مدى فاعليته وتأثيره وهل يجيب عن التطلعات التي وجه لإحداثها، فمن غير الممكن إحداث التغيير بدون موجه وأهداف واضحة ومفصلة ومحطات نتوقف من خلالها على مدى نجاح التغيير ونقوم بتغييره، فالتقويم الذاتي والداخلي من قبل المدرسة هو إحدى الوسائل الأساس لتحديد اتجاه التغيير والدفع به إلى الاتجاه المرجو، ويقترح سوثورث وكونر (Southworth and Conner, 1999) بأنه لا بد للتغيير أن يتميز بالشمولية، التواصل الهادف والتمكين المتجلي بفعل القياس والتقويم، فشموليته تهدف إلى الإحاطة بكافة أطراف التنظيم التربوي وتقويمها والتواصل مع الأشخاص والأماكن التي تحمل المعلومات المرجوة وتقويمها بدقة وموضوعية.
من الأسئلة الدارجة في فضاء التغيير التربوي:
هل من حاجة ملحة أو ضرورة تنظيمية لإحداث التغيير المرجو؟
هل يقوي التغيير المرجو التنظيم التربوي؟
هل تتوفر الظروف والموارد اللازمة لإحداث التغيير، وهل هناك موارد إضافية ضرورية لإحداث التغيير؟
ما هي الفائدة المرجوة من التغيير؟
كيف يمكن قياس هذه الفوائد والتعقيب على مدى جودتها ونجاعتها؟
في مرحلة التطبيق نحتاج إلى التقويم لجمع المعلومات والحقائق وتسليط الأضواء على ملامح التغيير، وهي الوسيلة التي تصوب الأنظار نحو التغيير وتبصر أعضاء التنظيم بوجوده وبالعوائق التي تعترضه، ومن الأسئلة التي يمكن إثارتها في هذه المرحلة:
كيف يمكن تقديم التغيير وعرضه؟
ما هي علامات النجاح وبراعمه؟
ما هي العوائق التي تقف في وجه التغيير، وكيف يمكن تجاوزها؟
ما هو تناغم الضغط والدعم المرجو لتحقيق التغيير أولاً وتثبيته ثانياً؟
والهدف من التقويم هو التعقيب على التغيير والرصد لمدى تأثيره على تطور ونمو التنظيم، وتتأتى المعلومات اللازمة لتقويم التغيير من خلال الأسئلة المقترحة الآتية:
ماذا كان الظفر الأساسي من عملية التغيير؟
هل هناك أرباح أو تأثيرات جانبية لعملية التغيير؟
ما هي خطوات التغيير المستقبلية التي يجب اتخاذها؟
ان إدارة التغيير الناجحة تتوقف على مدى دقة المعلومات ومدى موضوعية التقويم المعمول به، رغم أن التقويم ليس بالأمر البديهي ويستهلك مزيداً من وقت الإدارة التربوية إلا أنه ضروري وهام ولا يقل في أهميته عن التغيير نفسه، رغم اعتبار البعض له انه مجرد وسيلة، أو أن العين المجردة العفوية تستطيع استبداله، إلا أن انتهاج الأسلوب العلمي في التقويم والتوصل إلى أكثر زوايا التنظيم ظلمة وهامشية من أهم الآليات لتتبع مدى جودة ونجاح التغيير التنظيمي، كما وأن التغذية الراجعة والضغط المصحوب بالدعم الدائم مثلما أسلفنا من الوسائل الهامة في التقويم الذاتي للتنظيم والعمل على الحتلنة الدائمة لأهداف التغيير، والمراحل التي قطعها التنظيم في طريقه الى التغيير والخطوات المتبقية للظفر بأجزائه.
فيما يلي نلخص لمراحل ووسائل التقويم في التنظيم التربوي حسب (Busher and Harris, 2000)
الأداة
الايجابيات
السلبيات
الاستعمالات المحددة
المقابلة
تمكن من الولوج إلى ردة الفعل العميق من أشخاص مختلفين مثل المعلمين والطلاب والموظفين الخ.
تحتاج إلى الكثير من الوقت، وتحليلها يعد صعباً نوعاً ما.
للحصول إلى معلومات حفرية لا نستطيع الحصول عليها من خلال الاستمارة، معلومات شخصية وذات حساسية معينة.
تسجيل
بواسطة
مسجل
تسجيل محادثة أو مقابلة.
يثير التحفظ أحياناً
تدوين أدق الملاحظات ونبرة الصوت.
تصوير
فيديو
يوفر معلومات مرئية.
ذو تكلفة عالية ويثير التحفظ والانتباه الزائد أحياناً.
الحصول على معلومات واستعمالها بدقة في أحداث ومحافل أخرى.
الاستمارة
الوصول إلى أكبر عدد من المشتركين من خلال الأسئلة المفتوحة أو المحددة.
ردادة المعلومات وسطحيتها.
فحص مؤثرات ومتغيرات واضحة ومحددة.
المشاهدة
تعنى بالتفاصيل الفردية والدقيقة.
تستهلك الوقت.
تلاؤم مشاهدة العلاقة بين المعلم والطالب ونوعية التفاعل بينهما في غرفة الصف.
المذكرات واليوميات
من السهل الوصول إليها وتحتوي على معلومات عميقة.
تحتاج إلى الوقت في التسجيل والتحليل
رصد لآراء ولمبادرة وتعقيب الطلاب على علميتي التعليم والتعلم الفردية.